ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت اظنها لاتفرج عسى فرج يكون عسى فلا تجزع إذا حملت هماً يقطع النفسا نعلل أنفسنا بعسى
فأقرب ما يكون المرء من فرج إذا يئسا إذا ضاق الأمر اتسع ، وإذا اشتد الحبل انقطع ، وإذا اشتد الظلام بدا الفجر وسطع ، سنة ماضية ، وحكمة قاضية ، فلتكن نفسك راضية ،بعد الظمأ ماء وظل ، وبعد القحط غيث وطل ،يا من بكى من ألمه ، ومرضه وكدّه ،يا من بالغت الشدائد في رده وصده ،عسى الله أن يأتي بالفتح أو أمـر من عنده :
دع المقادير تجري في أعنتها ولا تبيتن إلا خالـي البالـي ما بين غمضة عين وانتباهتها يغيّر الله من حال إلى حالي ما عرفنا لكثرة حزنك عذرك ، سهِّل أمرك ، وأرح فكرك ،أما قرأت ألم نشرح لك صدرك ، ألا تفرح ، وفي عالم الأمل تسرح وفي دنيا اليسر تمرح ، وأنت تسمع ألم نشرح ،
يامن شكا الخطوب ، وعاش وهو منكوب ، ودمعه من الحزن مسكوب ،في قميص يوسف دواء عيني يعقوب ، وفي المغتسل البارد شفاء لمرض أيوب .
للمرض شفاء ، وللعلة دواء ، وللظمأ ماء ، وبعد الظلام ضياء ،وللشدة رخاء ، وبعد الضراء سراء ،نار الخليل تصبح باليسر كالظل الظليل ، والبحر أمام موسى يفتح السبيل ،ويونس بن متى يخرج من الظلمات الثلاث بلطف الجليل .
المختار في الغار ، أحاط به الكفار ، فقال الصِدِّيق هم على مسافة أشبار ،ونخشى من الدمار ، فقال الواثق بالقهار ، إن الله معنا ، وهو يسمعنا ، ويحمينا كما جمعنا .
هي الأيـام والغيــر أتيـأس أن ترى فرجاً وأمر الله ينتظــر فأيـن الله والقـدر قل لمن في حضيض اليأس سقطوا ، وعلى الشؤم هبطوا،وفي مسألة القدر غلطوا ،اعلموا أنه ينـزل الغيث من بعد ما قنطوا ، كان بلال يسحب على الرمضاء ،ثم رفع على الكعبة لرفع النداء ، وإسماع الأرض صوت السماء .
كان يوسف مسجوناً في الدهليز، ثم ملك مصر بعد العزيز ،كان عمر يرعى الغنم في مكة ، ثم نشر بالعدل مُلكه ، وطبعت باسمه السَّكة ،
وهو الذي قطع حبل الجور وفكَّه ، وسحق صرح الطغيان ودكَّه .
يا من داهمته الأحزان ، وأصبح وهو حيران ، وبات وهو سهران ،ألم تعلم أنه في كل يوم له شأن ،يا من هده الهم وأضناه ، وأقلقه الكرب وأشقاه ، وزلزله الخطب وأبكاه ،أنسيت من يجيب المضطر إذا دعاه .
إذا اشتملت على اليأس القلوب وأوطنت المكـاره واطمـأنت،ولم تر لانكشـاف الضر نفعاً أتـاك على قنـوط منك غوث،وكل الحـادثات وإن تناهـت وضاق بما به الصدر الرحيب،وأرست في أماكنها الخطـوب وما أجـدى بحيـلتـه الأريب،يمن بـه اللطيـف المستجيـب فموصــول بها فرج قريـب
سيجعل الله بعد عسر يسراً ، ولا تدري لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً .
سينكسر قيد المحبوسين ، في زنزانات المتجبرين ، وسيسقط سوق الجلادين ،الذي قطعوا به جلود المعذبين ،وسيمسح دمع اليتامى ، وتهدأ أنات الأيامى ، وتسكن صرخات الثكالى .
هل رأيت فقيراً في الفقر أبداً ، هل أبصرت محبوساً في القيد سرمداً لن يدوم الضر لأن هناك أحداً فرداً صمداً .
من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ، ومن كل همٍّ فرجا،بلا حول ولا قوة إلا بالله تحمل الأثقال ، وتسهل الأهوال
وتصلح الأحوال ، ويشرح البال ويرضى ذو الجلال، بشر الليل بصبح صادق يطارده على رؤوس الجبال وبشر القحط بماء زلال ، يلاحقه في أعماق الرمال وبشر الفقير بمال ، يزيل عنه الإملاق والأمحال لا تيأس عند النــوب واصبر إذا ما ناب خطب فالزمان أبو العجـب لطـائفـاً لا تحتـسب وترج من روح الإله من فرجة تجلو الكرب واعلم أن لكل شدة ، مدة ، وإن على قدر المؤونة ، تنـزّل المعونة وإن الله يستخرج البلاء ، بصادق الدعاء ، وخالص الرجاء .
واعلم أن في الشدائد إذابة الكبر ، واستدرار الذكر ، وجلب الشكر ، وتنبيه الفكر،فارحل بقلبك إذا الهم برك ، واشرح صدرك عند ضيق المعترك ولا تأسف على ما مضى ومن هلك ، فليس بالهموم عليما درك ،واعلم أنه لا يدوم شيء مع دوران الفلك ، وعسى أن تكون الشدة أرفق بك ، والمصيبة خير لك .فإذا ضاقت بك السبل ، وانقطعت بك الحيل ، فالجأ إلى الله عز وجل .
واعلم أن الشدائد ليست مستديمة ، ولا تبقى برحابك مقيمة،ولعل الله ينظر إليك نظرة رحيمة ، والدنيا أحوال ، وألوان وأشكال ولن تدوم عليك الأهوال ، فسوف تفتح الأقفال ، وتوضع عنك الأغلالواصبر وانتظر من الله الفرج ، فكأنك بليل الشدة قد انبلج :
لا تعجـلن فربمـا عجل الفتى فيما يضره
فالعيش أحلاه يعـو ولربما كره الفتـى
على حـلاوته بمره أمـراً عـواقبه تسره
واعلم أن الشدائد تفتح الأسماع والأبصار ، وتشحذ الأفكار وتجلب الاعتبار ،وتعلم التحمل والاصطبار ، وهي تذيب الخطايا ، وتعظم بها العطايا ، وهي للأجر مطايا .
فاطلب من الله الرعاية ، واسأله العناية ،فلكل مصيبة غاية ، ولكل بلية نهاية .كم من مرة خفنا ،فدعونا ربنا وهتفنا ، فأنقذنا وأسعفنا ، كم مرة جعنا ، ثم أطعمنا ربنا وأشبعنا ،كم مرة زارنا الهم ، وبرح بنا الغم ، ثم عاد سرورنا وتم ،كم مرة وقعنا في الشباك ، وأوشكنا على الهلاك ، ثم كان من الله الانطلاق والانفكاك ،أنت تعامل مع لطيف بعباده، معروف بإمداده ، جواد في إسعاده ،غالب على مراده ، فلُذ به وناده ، إذا داهمتك الشدائد السود ، وحلت بك القيود ،وأظلم أمامك الوجود ، فعليك بالسجود ، وناد يا معبود ، يا ذا الجود ،أنت الرحيم الودود ، لترى الفرج والنصر والسعود :
لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف سجى
كم فرج بعد إيـاس قد أتى وكم سرور قـد أتى بعد الأسى
أيها الإنسان في آخر النفق مصباح ، ولِباب الهموم مفتاح ،وبعد الليل صباح ، وكم هبت للقانط من الفرج رياح .أيها الظمآن وراء هذا الجبل ماء ، أيها المريض في هذه القارورة دواء ،أيها المسجون انظر إلى السماء ، أيها المتشائم امسك حبل الرجاء .كن كالنملة في صعود وهبوط ، وعلو وسقوط ، ولا تعرف اليأس ولا القنوط ،ولا تعترف بالإحباط في كل شوط .
كن كالنحلة في طلب رزقها قائمة ، وفي حسن ظنها دائمة ،وعلى الزهور حائمة ، وفوق الروض عائمة وليست مع اليأس نائمة .
كن كالهدهد ، مع كل صباح ينشد ، ومع الربيع يتجدد ، وعلى بلقيس تردد ،وسليمان له تفقد ، فأسلم لربه ووحد ، وأنكر على من كفر وألحد ،
فنال المجد المخلد ، والذكر المؤبد .
أيهـا المشتـكي ومـا بك داء كيـف تغـدو إذا غدوت عليلا أترى الشوك في الورود وتعمى أن تـرى فوقـه الندى إكليـلا والـذي نفسـه بغيـر جمـالٍ لا يرى في الوجود شيئاً جميلا على رؤوس الجبال شمس من الفرج شارقة ، وعلى مشارف التلال هالة من النور بارقة ، وعلى كل باب للحزن من السرور طارقة .
افتح عينيك ، ارفع يديك ، لا تساعد الهم عليك ، ولا تدعو اليأس إليك . السمك والقرش ، والطيور والطرش ، كلها ترجو رب العرش ، فاتجه أنت إليه ، واشك الحال عليه ، فإن فرجه أسرع من البرق الخاطف ،وله في كل لحظة لطائف .اللهم اصرف عنا المصائب ، ورد عنا النوائب ، وكُف عنا كَفّ المعائب .
اللهم سهّل الحزون ، وهوّن المنون ، وأشبع البطون ، وافتح للمضطهدين أبواب السجون ، واجعل الخائفين من أمنك في حصون ، اللهم احلل الحبال المعقدة ، وسهل الأمور المشددة ، واكشف السحب الملبّدة ،وأجب سهام الليل المسددة .
اللهم اجعل لليل همومنا صباح من الفرج يشرق ، ولظمأ أكبادنا نهر من الأمل يتدفق ، ولجراح مآسينا يد بالشفاء تترفق . اللهم أغننا عن الناس ، وارزقنا مما في أيديهم اليأس ، ورد عنا البأس ،واجعل التقوى لنا أجمل لباس ، وأقوى أساس .
لك الحمد حتى يملأ طباق الغبراء ، وأجواء السماء ،ولك الثناء حتى تشدو به الأطيار ، وتميل به الأزهار ، ويحمله الليل والنهار .ولك المجد يا ذا الجود ، ما قام الوجود ، وسال الماء في العود ، ونصب للحياة عمود هل يرجى سواك ، هل يعبد إلا إيّاك ، هنيئاً لمن دعاك ، وطوبى لمن ناجاك
والصلاة والسلام على عبدك ومصطفاك ، وحامل هداك .